يهز كتفي في الصباح الباكر و يقول "يلّا" لقد تأخر الوقت، فتتدخل امي و تقول لأبي "يا زلمة خليه ينام كمان نص ساعة زمن" ، و فعلا بعد نص ساعة زمن انطلقنا ... و على طريق مأدبا وقفنا مقابل محل "جاج" ليمارس ابي هوايته في "تنقاية الجاج" و توصية البائع بهم.
وصلنا للمزرعة، الوضع هادئ "زيادة عن اللزوم"، ترجلنا من السيارة ... "صفنّا" لبرهة من الزمن ثم شرعنا بانزال العدّة، كان عمي مستيقظاً فساعد ابي بوضع خطة توصيل سلك الكهرباء، ثمّ نفّذّنا انا و ابن عمي، "معك كمّاشة، اقظب ... زت التبّ الاسود جاي، هاك" هذا ما دار من حوار وقتها إلا أن قاطعتنا زوجة عمي بإبريق عتيق مليء ببابونج قد قطفت "ظمّة" منه البارحة مدعّم ببضع كاسات زجاجية صغيرة.
تم توصيل الكهرباء، كما تم استنزاف ابريق البابونج، فبدأ نهارنا المتأخر ... ابي كان مسؤول السقاية و انا تعشيب الاشجار، كنت أزيل الاعشاب القريبة من حول الاشجار مرتديا "كفوف جلي مخزوقة" وردية اللون و اعمل بكدّ حتى جائت استراحة صلاة الجمعة.
عاد كلّ إلى موقعه، و عدت فارتديت قفازات الجلي وردية اللون و بدأت باقتلاع الاعشاب، لقد شعرت بلذّة غريبة رغم انني كنت العن "سنسفيل" اليوم من أوله، ولكن لسبب ما كنت مبتسماً و مستمتعاً بكل ذلك الهدوء و الجو الجميل، هدوء الريف بما فيه عواء كلب المزرعة، رغاء ناقة عمي، هدهدة هدهد مشابهة لـ"احصد و دق"، صوت عمي ينادي للغداء ... انقضّ الجميع على "سدر" المنسف فأتبعوه بكأس زجاجية مليئة بشاي غامق اللون "قطر" المذاق، و عدنا إلى خنادقنا.
أُذن للمغرب، و غابت الشمس، استلقيت على الارض الوعرة مرتاحاً متغطيا بنسمة هواء مرت بقربي، "الله يعطيك العافية ... والله اللي اشتغلتو ما اشتغلو عامل" قالها لي أبي مبتسما رافعا من معنوياتي ... "يلا" لقد تأخر الوقت فلنعود للمنزل ... "فرطنا" سلك الكهرباء الموصول مائة وصلة، لملمنا عدتنا و عدنا ... لم اذكر طريق العودة كيف كانت، فقد كنت مغمضاً عيناي مبتسما تعباً. فقد تأخر الوقت، و سُقِيَت الأشجار.